محاضرة بعنوان :
ومضات مـن حياة الإمام التماسيني رضي الله عنه
إعداد : خالد إبراهيم.
الوادي في : 10/04/2003
بســم الله الرحمــن الرحيـــم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، نحمده سبحانه أن أفاض علينا هذه النعم ونشكره على ما كشف علينا من الغمم وجعلنا في أمة فضلها على سائر الأمم حيث قال : « كنتم خير أمة أخرجت للناس » .
ونصلي ونسلم على من أعطي جوامع الكلم سيدنا ومولانا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله الأطهار وصحابته من المهاجرين والأنصار ، ورضي الله عن شيخنا القطب الرباني والختم الصمداني سيدنا ومولانا أبي العباس أحمد التجاني سقانا الله وإياكم من عرفانه بأعظم الأواني وعلى خليفته الغوث الأعظم صاحب المقام الرفيع الطاهر الأكرم سيدي الحاج علي التماسيني وعلى خلفائه وآل بيته وأحبابه إلى يوم الدين .
سنعرض في هذا اللقاء الطيب إلى صفحات مضيئة ومشرقة في حياة الغوث الأعظم والخليفة الأكرم سيدي الحاج علي التماسيني وإن كنا نعلم علم اليقين بأننا في هذه المحاولة مهما كتبنا ومهما قلنا في حق هذا الرجل العظيم وهذا الطود الشامخ وهذه المدرسة الشاملة في العلم والتربية والأخلاق فإننا لن نف الرجل حقه ونعترف بأننا أخذنا قطرة من بحره .
وقبل الولوج في الموضوع تجدر بنا الإشارة إلى نقطتين هامتين :
- الأولى تتعلق ببيان معنى الخلافة .
- والثانية بحاجة الناس إلى الخليفة .
وأما باقي الموضوع المتعلق بحياة الإمام التماسيني فسنعرض إليه في شكل نقاط .
* بيان معنى الخلافة : الخلافة في الإسلام رئاسة دينية ودنيوية ، ظهرت هذه الوظيفة عقب انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما بهذه الوظيفة في حياته ومهمتها الأساسية لم شعث المسلمين – إحاطة أمرهم – الهيمنة على وحدتهم – ومراعاة مصالحهم الدينية و الدنيوية .
لذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد عليها حيث يقول : « من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة الجاهلية » .
وقال أيضا : « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » .
وقال : « من أطاع أميري فقد أطاعني » .
* حاجة الناس إلى الخليفة : احتياج الناس إلى إمام يسوسهم ويلتفون حوله من البديهيات التي لا يختلف فيه اثنان ، خصوصا عندما ندرك أن أهواءهم وطباعهم مختلفة يصعب عليها أن تجتمع على رأي واحد قال ابن خلدون ( والحال أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية ... فإذا كان الدين من نبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم ) .
وهذا ما يفسر لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم « العلماء ورثة الأنبياء » فالمقصود بالعلماء هم العارفون بالله الأمناء على خلقه كما سماهم النبي في حديث آخر حيث قال : « العلماء أمناء الله على خلقه » .
* فما هي هذه الأمانة ؟ وما صفات هذا الأمين ؟ هذا ما سنجيب عنه أثناء الترجمة لهذا الطود الأحمدي الشامخ سيدنا الحاج علي التماسيني .
1- المولد والنشأة : ولد الإمام التماسيني رضي الله عنه بتماسين ولاية ورقلة بالجمهورية الجزائرية عام 1180هـ 1766 م أبوه الفاضل الصالح الحاج عيسى وأمه الطاهرة الزكية فاطمة بنت الزين ( تات الزين ).
شب في بيت صلاح وتقوى وتغذى بمبادئ الشريعة منذ طفولته واشتهر بالتواضع ونكران الذات ومحبة عباد الله الصالحين .
وكان المعاصرون له قبل اجتماعه بسيدنا أبي الفيض يشهدون له بالحكمة ومكارم الأخلاق ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مولانا التماسيني من آل بيت النبي الطاهر شهد له بذلك أكابر الأصفياء وخواص الأولياء حيث يجتمع نسبه مع الشيخ الأكبر في محمد النفس الزكية .
وقد سأل الإمام التماسيني سيدنا الشيخ رضي الله عنه قائلا : « يا سيدي هل أنا شريف » فقال له : « نعم أنت شريف » فقال « أريدك يا سيدي أن تبين لي صحة نسبي » قال : « أنت أقرب الناس إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت علي بن أحمد التجاني بن رسول الله صلى الله عليه وسلم » وهذا هو النسب الروحاني قال فيه عمر بن الفارض شاعر الحضرة الإلهية :
نسب أقرب في شرع الهوى *** بيننا من النسب الأبوي
2- تحمله الأمانة من عند سيدي بن المشري: وهي أن سيدنا الشيخ الأكبر رضي الله عنه أعطى لخادمه الأخص سيدي بن المشري أمانة وأمره أن يطوف بها الصحراء ، وألا يسلمها إلا لمن طلبها منه ونفذ سيدي بن المشري الوصية فقصد بها بلاد الأشراف ( الطيبات ) ولكن لم يطلبها منه أحد فقصد بها واد ريغ وبالضبط تماسين وعند التقائه بسيدي الحاج التماسيني طلب منه الأمانة فمكنه منها رضي الله عنهم أجمعين .
3- لقاؤه بالقطب المكتوم: التقى سيدنا الحاج علي التماسيني رضي الله عنه بالشيخ الأكبر بعين ماضي عام 1204 هـ 1789 م فقدمه الشيخ على جميع الأصحاب ،ولازم مولانا التماسيني أستاذه ملازمة تامه وخدمه بإخلاص وتفان إلى أن ألبسه جلباب الخلافة في حال حياته وأمره بالتربية .
4- الإذن بتأسيس الزاوية: خرج سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه من فاس إلى عين ماضي في زيارة رفقة بعض من خواص أصحابه وفي أثناء الطريق جلسوا للاستراحة والنوم ونصبت لسيدنا خيمة فجلس سيدي الحاج علي ببابها جلسة المملوك الطائع الممتثل لأوامر سيـده فجاء أحد الزائرين بهدايا لسيدنا فوقف بباب الخيمة ونادى بقوله ياوصيف يا وصيف يعني بذلك سيدي الحاج علي فقال له نعم نعم يا سيدي فقال له الرجل دونك هذه الإبل فحفظها فإنها زيارة للشيخ .
فسمع سيدنا هذا الحوار فرفع ستار الخيمة ونادى بصوته على سيدي محمد بن المشري وسيدي محمود التونسي وقال لهما : « اصنعا لهذا الرجل (يعني التماسيني ) زاد سفره كي يرتحل عني في هذه الساعة ولا يجلس معي بعد اليوم أبدا » فقال له مولانا التماسيني « وما ذنبي يا مولاي » فقال له سيدنا « ما بقي لك عندي إلا أن تسلبني سري فسافر عني واتخذ زاوية لنفسك فقد أعطيناك التصرف حيا وميتا ليس لأحد من الأولياء المتصرفين تصرف معك وإني قد جعلت مفاتيح الأكوان كلها في قبضة يديك أفتريد بعد هذا الفضل أن تأخذ ما ادخرته لأولادي » وكان ذلك عام1220هـ 1805م.
5- قيامه بعأعباء بببببأعباء الخلافة بعد الشيخ الأكبر: بعد توليه الخلافة لم يكن له رضي الهذله عنه هم إلا خدمة الطريقة وكأنه لم يخلق إلا لخدمتها عاملا على توحيد صفوف المسلمين ونبذ الفرقة والتعصب وفاء لشيخه ومن أهم أقواله في هذا الميدان ما أوصى به أبنائه« إياكم أن ترفعوا مكانتكم عن غيركم من الخدم فكلكم عباد الله ، إياكم إياكم أن تظنوا أن هذه الدار-زاوية تماسين- هي ملك لكم وحدكم بل هي ملك للشيخ ومالها كله إنما هو مال الشيخ وليس لي فيها شيئ ، وأقول لكم من كان منتسبا للشيخ فله حظ في داري هذه » .
فكان رضي الله عنه في مستوى الثقة التي وضعها فيه شيخه وعند انتقال الشيخ إلى الرفيق الأعلى قضى مدة خلافته داعيا إلى الله بالحال والمقال موحدا لصفوف المسلمين تجلى ذلك من خلال مجموعة من المواقف نذكر من بينها :
- الموقف الأول :
إرجاعه لإبني الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه إلى عين ماضي بعد امتناع أهل فاس من ذلك ونستخلص من هذا الموقف :
- حرص مولانا التماسيني على التنفيذ الحرفي لوصايا الشيخ .
- وفاؤه لشيخه جعله يعظم إبني الشيخ أشد التعظيم حتى أنه لم يشأ أن يغير قلبيهما إذا أراد نقلهما من فاس إلى عين ماضي .
- الموقف الثاني :
دفاعه عن قرية تماسين وأهلها في قصة بني جلاب المشهورة حين قدم بجيوشه الباغية وأحدق بقرية تماسين والأسباب الداعية لهؤلاء الأمراء الظلمة لحرب هذا الولي الفاضل هو الحسد و الغيرة وذلك لما رأوه من كثرة إقبال الخلق عليه ونفوذ كلمته في قلوبهم وكان رضي الله عنه منفردا في حكمه عنه فأرادوا تشتيت أمره .
و الملاحظ في هذا الموقف أن مولانا التماسيني امتنع من مواجهة الشر بالشر عملا بوصايا الشيخ دائما إنما تضرع إلى الله في دفعه عنهم وهذا شأن الصالحين دوما .
- الموقف الثالث :
- اهتمامه بالعلم والتعليم لعلمه المسبق رضي الله عنه بأن مستقبل الإسلام والطريقة من خلاله ليشع إلا بالعلم سعى رضي الله عنه جاهدا في بث بذور العلم في خاصته من أبنائه و المقربين إليه يظهر ذلك من خلال جلبه لمعلمين يلقون الدروس في الزاوية فقه ، تصوف ، ...
وهذا العمل مترسخ في إمامنا التماسيني يشهد لذلك المقولة التي خلدها ( اللويحة والسبيحة والمسيحة ) وقاصدا بها العلم والعبادة والعمل لأنها مكملة لبعضها البعض .
- إجازته لمجموعة المقاديم ليتمكنوا من نشر الطريقة على نطاق واسع ويضمن استمرارها ووصولها للأجيال القادمة .
- اهتمامه بإنشاء المدارس القرآنية لتعليم القرآن وعلومه وقد استمرت بحمد الله لأزيد من قرنين من الزمن .
- تشجيعه لجميع المبادرات العلمية نذكر على سبيل المثال إعطاؤه لسيدي محمود بن سيدي الطاهر جنان مشيشة عند ختمه للقرآن الكريم فترك بذلك رضي الله عنه سنة حسنة في تشجيع المبادرات العلمية .
وهذا العمل إنما ينم عن ذوق علمي سام وحقيقة لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه .
6- الجانب الإقتصادي في حياة الإمام التماسيني: من سياسته الحكيمة الرشيدة التي ساس بها الطريقة اهتمامه بهذا الجانب الذي يعد من أعظم الدروس العملية التي يجب على كل فرد منا أن يتفهمها ويسير وفق خطاها ،
إذ نجد أن إمامنا يهتم بزراعة النخيل اهتماما بالغا يهدف من خلاله إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي للزاوية حتى تغطي جميع المصاريف وتستقبل أكبر عدد ممكن من الزوار دون أن تحتاج إلى الغير .
و بما أن مولانا التماسيني هو قائل « اللويحة و السبيحة و المسيحة » فهو ينبذ كل أشكال الاتكال ومظاهره كيف لا وهو القائل لسيدي إبراهيم السوداني « هذا هو علم الكيمياء يا مسكين إفلح الأرض تعطيك الغلال ».
وذلك لما سأله أن يأذن له في التعامل بعلم الكيمياء ليحقق به الثراء المادي .
فكان نتاج عمل هذا الإمام أن ترك للزاوية وراءه 14000 نخلة داخل البلاد وخارجها ، وكفى بها ثروة .
7- خصوصية منهج سيدي الحاج علي: امتاز سيدي الحاج علي بتفانيه بمحبة أستاذه وخدمته بإخلاص وبلا توان ولا تماطل فقد اختار هذا التنازل عن حرية وطواعية فجازاه مولاه بأوفر الجزاء ومن تواضع لله رفعه فامتاز منهجه بالبساطة و الشمولية تماشيا والزمان وتطبيقا لمقولة الشيخ الأكبر العارف ابن وقته ، وبسير أهل زمانك سر . فكان يقتدي بشيخه لأنه أهل للإقتداء ، ويفضله على غيره لأنه أهل للتفضيل كان المقتدي والأول في الإقتداء و المجتهد و الثاني في الاجتهاد بعد شيخه بذل نفسه وما يعز عليه في سبيل هذا الطريق يمقت الدعوى والصدارة والظهور والتظاهر .
ولبا داعي ربه بتملاحت يوم الثلاثاء 22صفر1260 هـ الموافق ل: 12 مارس 1844 م .
8- من أقوال العلماء فيه : قال في حقه الشيخ الأكبر: « أين مثل التماسيني يا مسكين » وقال أيضا : « إن مثابتي ومثابة هذا وأشار إلى سيدي الحاج علي كمثابة رجل عاش طويلا وهو يسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا فلما شاخ وطعن في السن وآييس من الولد هبت عليه نسمة من ربه الكريم ورزقه الله الولد الذي كان يتمناه ، وها هو قد رزقني الله الولد بمجيئ التماسيني إلي » .
وقال في حقه سيدي إبراهيم الرياحي لما رجع إلى تونس بعد اجتماعه بسيدي الحاج علي وسأله أعيان العلماء عن الإمام التماسيني هل رأى منه كرمات أم لا ؟ فقال : « وجود هذا الرجل العظيم في هذا الزمان هو عين الكرامة ».
وأما عن سيدي عبد القادر البوطي السائحي فإنه حجر أولاده لسيدي الحاج علي رضي الله عنه .
وقال في حقه الشاعر محمد العيد آل خليفة :
الوارث البـر التجانـــــي *** الذي فشت الخوارق منه والأسرار
ذي الهمة الكبرى التي خضعت لها *** همم لأعلام الطريق كبـــــار
إن التماسني بدر خلافــــة *** متكامل لا يعتريـه ستـــــار