العلامة حمدان لونيسي
مقدم الطريقة التجانية بقسنطينة
هو الإمام العلامة الشيخ محمد بن احمد بن محمد حمدان لونيسي, ولد سنة 1856م بقسنطينة, فحفظ القرآن الكريم ودرس اللغة والفقه والتفسير والحديث على كبار علماء عصره؛ منهم العلامة الشيخ عبد القادر بن الشيخ عبد الله الملقب بالمجار, ظهرت عليه عوامل النبوغ منذ صغره مما أهله لمنصب الإمامة بجامع سيدي محمد النجار بقسنطينة, فكان يدرس مبادئ اللغة العربية والمعارف الإسلامية, ويوجه تلاميذه توجيها علميا أخلاقيا, ومن تلامذته: سيدي محمود بن المطماطية, البشير الإبراهيمي, عبد الحميد بن باديس, الطيب العقبي, والعلامة المصلح الشيخ السعيد بهلول الورتلاني..( ) وغيرهم كثير ممن تأثروا بآرائه الإصلاحية, ومواقفه الوطنية, كما درس في الجامع الكبير بقسنطينة منذ سنة 1880/1881م وعمره آنذاك لم يتجاوز 25 سنة, وكانت بداية دروسه في عهد الظالم (لويس تيرمان 1882/1891)( ).
فقد كان المدافع عن كتاب الله تعالى وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في خطبه ومواعظه ودروسه العديدة, كما تصدى للمبشرين والملاحدة وحارب البدع والضلالات التي شوهت صورة الإسلام غداة الإستعمار الفرنسي للبلاد, ورغم حساسية المنصب الذي كان يتولاه إلا انه كان من الموقعين على العريضة التي تضمنت مظالم أهل البلاد على السلطات الفرنسية سنة 1891م( ).
ومما اشتهر عنه تأثيره بعيد المدى في تلميذه عبد الحميد بن باديس الذي ظل يذكره طوال حياته, حيث أوصاه (أن يقرا العلم للعلم لا للوظيف ولا للرغيف), وقد نفذ ابن باديس وصية أستاذه تنفيذا كاملا, وبعد أن مُنع اي ابن باديس من تدريس الحديث لأن شهادة التطويع لا تخول له ذلك, طلب من شيخه منحه إجازة خاصة بالحديث وهذا عند زيارته للمدينة المنورة, ولأن الأستاذ لا يريد أن يقال أنه أعطاه الإجازة محاباة فترفض, بعثه للجامع الأزهر وحمّله رسالة خطية لمفتي الديار المصرية العلامة "محمد بخيت المطيعي" يزكيه فيها ويطلب منه إسعافه بإجازة في الحديث, فأحسن الشيخ بخيت استقباله، ودعاه إلى زيارته في منزله بحلوان القريبة من القاهرة ثم أعطاه الإجازة.
كما كانت للشيخ حمدان جهود كبيرة في نشر مبادئ الطريقة في ربوع قسنطينة, وكان على اتصال دائم بزاوية تماسين وبأبناء سيدي الحاج علي التماسيني مبديا ولاء وتعلقا كبيرا بالزاوية ورجالها.
ونظرا لنشاطه الدعوي الكبير, ومناهضته للإستعمار, تعرض لمضايقات كثيرة حيث طرد من التدريس بالجامع الكبير بعد 30 سنة من العطاء, رغم شهادة التقارير له بالنجاح في مهمته (تقرير سان كالبر, سنة 1910( )), وهو ما دفع به إلى الهجرة مفضلا جوار الرسول صلى الله عليه وسلم على جوار الإستعمار, فتعلل لدى سلطات الاحتلال بأنه يسافر لمعالجة بصره, فقصد المدينة المنورة متبرما من الإستعمار الفرنسي وسلطاته الظالمة.
وأكمل بقية حياته بها يدرس الفقه والحديث إلى أن وافته المنية سنة (1338/1920)( ), ودفن بمقبرة البقيع رحمه الله رحمة واسعة.
من كتاب "دليلُ الحَـائِر" إلى صور ومواقف من جهاد التجانيين في الجزائر لـ ديدي السعيد